الفصل الأول: البداية

من كتاب: رحلة الإيمان: من البداية إلى النهاية
الفصل الأول: البداية

الفصل الأول: البداية

من كتاب: رحلة الإيمان: من البداية إلى النهاية

 

خلق القلم وكتابة المقادير

في ظلمات ما قبل الخلق، حين لم يكن هناك وجود إلا الله سبحانه وتعالى، أراد الله أن يبدأ قصة الكون. فخلق القلم، أول مخلوق في هذا الوجود. وفي تلك اللحظة الجليلة، أمر الله القلم أن يكتب. جاء في الحديث الشريف عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي محمد ﷺ قال:
"إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. فقال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" (رواه أبو داود والترمذي).

كان القلم أداة إلهية عظيمة، مهمته الأولى تسجيل كل تفاصيل الكون. كتب القلم في اللوح المحفوظ كل شيء: من أصغر الذرات التي تتحرك في الكون إلى أكبر النجوم، ومن لحظة ولادة أول إنسان إلى لحظة نهاية الدنيا. كتب القلم ما سيحدث في حياة كل مخلوق، من رزقه، عمره، مصيره، أفعاله، وما ينتظره في الآخرة.

اللوح المحفوظ، الذي تحدث عنه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، هو سجل إلهي شامل، لا يضل ولا ينسى. قال تعالى:
"ما فرطنا في الكتاب من شيء" (الأنعام: 38).


خلق السماوات والأرض

بدأت مراحل الخلق بعد كتابة المقادير، حيث خلق الله الأرض في يومين. قال تعالى:
"قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين" (فصلت: 9).

ثم وضع فيها الجبال الرواسي التي تثبت الأرض، وباركها وجعلها صالحة للحياة، وقدر فيها أقواتها من ماء وزرع وحيوان.

بعد ذلك، خلق الله السماوات السبع من دخان، وقضاهن في يومين. قال تعالى:
"ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين" (فصلت: 11).

زين الله السماء الدنيا بالكواكب والنجوم، وجعلها حفظًا من الشياطين.


خلق آدم: البداية الحقيقية للإنسانية

جمع الطين وخلق الجسد


بعد أن جهّز الله الأرض، أراد أن يخلق الإنسان ليكون خليفة فيها. فجمع من تراب الأرض مكونات جسد آدم عليه السلام. اختلطت الألوان من تراب أبيض وأصفر وأسود، فجاء خلق الإنسان متنوعًا في شكله وألوانه وصفاته.

صنع الله الجسد من طين لازب (أي طين لزج)، ثم تركه حتى أصبح صلصالًا كالفخار. بقي هذا الجسد في حالته، بلا روح، لفترة من الزمن. وخلال تلك الفترة، كان إبليس، الذي كان من الجن، يمر بجانب الجسد ويتفحصه، ويدخل منه ويخرج، متعجبًا من هذا المخلوق الذي سيصبح خليفة على الأرض.

نفخ الروح في آدم


ثم جاء أمر الله العظيم بنفخ الروح في آدم. قال تعالى:
"فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" (الحجر: 29).

عندما دخلت الروح في جسد آدم، بدأ يتحرك تدريجيًا. أول ما دبت الروح فيه كان رأسه، فتح عينيه ورأى نور الجنة. ثم انتقلت الروح إلى باقي جسده، وعندما وصلت إلى بطنه، شعر بالجوع، مما يرمز إلى ضعف الإنسان واحتياجه الدائم إلى ربه.


تكريم آدم وإسكانه الجنة

بعد خلق آدم، أمر الله الملائكة بالسجود له تكريمًا واحترامًا. جميع الملائكة أطاعوا أمر الله وسجدوا، إلا إبليس. قال تعالى:
"فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين" (ص: 73-74).

رفض إبليس السجود، وقال متكبرًا:
"أنا خير منه. خلقتني من نار وخلقته من طين" (ص: 76).

هذا الرفض جعل إبليس ملعونًا ومطرودًا من رحمة الله. لكنه طلب من الله أن ينظره إلى يوم القيامة، وأقسم أن يغوي آدم وذريته.

أسكن الله آدم في الجنة، وقال له:
"يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (البقرة: 35).

الجنة كانت مكانًا للنعيم والراحة، حيث لا تعب ولا شقاء. وكان آدم يعيش فيها سعيدًا، لكن وحدته دفعت الله لخلق زوجته حواء من ضلعه.


حواء: الرفيقة والأمان

خلق الله حواء من ضلع آدم وهو نائم، لتكون له أنيسًا وشريكًا في الحياة. قال النبي ﷺ:
"استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضلع" (متفق عليه).

حواء، أول امرأة في التاريخ، كانت مكملة لآدم. عاشا في الجنة معًا في نعيم وسلام، وكان لهما الحرية الكاملة في التنقل والأكل من جميع ثمار الجنة، إلا شجرة واحدة نهاهما الله عن الاقتراب منها.


وسوسة إبليس وسقوط آدم وحواء

إبليس، الذي كان ممتلئًا بالحقد والغضب بسبب طرده من رحمة الله، لم ينسَ كراهيته لآدم. قرر أن ينتقم ويخرج آدم وحواء من الجنة. بدأ يوسوس لهما بأن يأكلا من الشجرة المحرمة. قال لهما:
"ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" (الأعراف: 20).

استخدم إبليس الحيلة والمكر ليغريهما، وأقسم لهما بالله كذبًا:
"وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" (الأعراف: 21).

وقع آدم وحواء في الفخ. أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، وظهرت عوراتهما. حاول كلاهما ستر أنفسهما بأوراق من شجر الجنة. قال تعالى:
"فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" (طه: 121).


التوبة والإهباط إلى الأرض

ندم آدم وحواء على فعلتهما، وتوجها إلى الله بتوبة صادقة. علّمهما الله كلمات يتوبان بها، فتاب عليهما. قال تعالى:
"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" (البقرة: 37).

لكن العقاب كان الهبوط إلى الأرض. قال الله:
"قلنا اهبطوا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين" (البقرة: 36).

بدأت رحلة جديدة لآدم وحواء على الأرض، حيث سيواجهان التحديات، ويبنيان حياة جديدة، ويعمران الأرض بأمر الله.


بداية الحياة البشرية

هبط آدم وحواء إلى الأرض، وبدأت قصة البشرية. علّمهما الله كيف يزرعان ويحصدان، وكيف يبنيان المأوى. أنجبا أبناءً وبناتًا، وبدأت البشرية بالتكاثر.

تعلم آدم وحواء أن الأرض دار ابتلاء، وأن عليهما العمل والاجتهاد والتمسك بدين الله ليعودا يومًا إلى الجنة التي خرجا منها.


هذه القصة العظيمة، الممتلئة بالعبر والدروس، تظهر حكمة الله وعدله، وتذكرنا بأهمية طاعة الله والابتعاد عن وساوس الشيطان، لأنه عدو قديم للإنسان منذ بداية الخلق.

الفصل الأول: البداية

من كتاب: رحلة الإيمان: من البداية إلى النهاية
×